حلم طفلة
حلم طفلة
صغيرة كانت تنافس الرياحين في بوحها، تسابق الأطيار إلى أعشاشها، وتزرع الحياة النابضة في الشقوق اليابسة.
لم تكن تفقه معنى الحبّ. داهمها كريحٍ عاصفة فوق بيادر خضراء، هاجم روحها، خطف أحلامها وألبس ليلها الهادئ ثوب الأرَق.
طفلةً كانت، تحبو في بساتين العشق، تتذوّق معنى الهوى من دون أن تدرك أنّها يومًا من علقمه العذب ستسقى. في غفوة شبابها تهرول مسرعةً نحو الأتون غير مدركةٍ أنّ النار لاذعة، تحرق من دون رحمة، تدمي، توجع، تسرق الأمان إلى الأبد. لم تكن تعرف أنّ هواها سيقتل براءة جفنيها ويسرق سكينة ليلها ويزغرد منتشيًا بنصرِه…
ما أدركت يومًا ما كان وما سيكون… جلّ ما كانت تترصّده، بعضٌ من تلك الموسيقى الخلاّبة التي طالما ذهبت بيقظة من سبقوها على هاتيك الدرب. غاية مناها فستانٌ مزركشٌ، طرحة بيضاء، طفلٌ تناغيه يهتف اسمَها! لكن ماذا بعد؟؟؟ أهي غيرُ مسؤولة عمّا يجري، أم أنّها غيرُ مبالية..
وظهر الأمير… فارسٌ لمست طيفَه في الأساطير البعيدة. إليه رحلت نفسها. تصبو أن يختطفها من واقعٍ قد يسوء، قد تخسر معه الكثير من براءتها…
تُراه أتاها على حصانٍ أبيض؟
لا، بل سيراً على الأقدام، مثقلًا بتجاربَ قاسيةٍ وعُقَدِ ماضٍ كاد يخطف منه الابتسامة. أتاها حاملاً صدقَه، ربَّما خوفه من المجهول الذي اختاره.
تُرى لِمَ اختارها هي دون الأخريات؟ مع أنّ تاريخه الرجوليّ حافل بالبطولات الزائفة الوهميّة، التي يعتدّ بها كلّ خالٍ من العنفوان والخبرة الحقيقيّة. تملأ سجلاّتِه أعدادُ نساءٍ ساقطات بنظره، لاهياتٍ بأقدارهنّ، متناسيًا أنّه هو اللاعب الرئيس في هذه السفالة.
بعضهم قال: اختارها سعيًا وراء وَهْم أبيها غير المستقرّ. لكنّ الشائع أنّه صاحب ثروةٍ… بعضهم أكّدّ أنه يحبّ الفتيات اليافعات، الفخورات بعنفوانهنّ، وبأنّه لو طلب منها أن تتماشى مع أهوائه، لأقلع عن فكرة الارتباط بها، وكانت رقمًا جديدًا في سجلاته الوهميّة…
أمّا هو، فيؤكد بأنها فتنته، وبأنّه يرى فيها أمًّا مثاليّة لأولاده وزوجةً مطيعة..
غريبٌ أمر بعض الرجال، لا يرون في المرأة سوى مستنقعًا لرغباتهم وملاذًا لفوضى عقولهم. المخلوق الوحيد على هذه البسيطة الذي يستطيع بتعدّد مواهبه، أن يروّض شراستهم حين الضعف والانكسار والهزيمة..
ليست لنا محاكمةُ أحد، بل فقط رفع الصوت وتدارك المواقف…
يا ابنة الربيع الدائم، التزمي الصبر والتأنّي وتسلّحي بالانتظار. دعي الأيام تلبسكِ الثوب الذي تستحقينه واتركي القدر العادل يكحّل عينيكِ بالفرح والسكينة والأمان الذي تطمحين إليه. لا يأخذنّكِ سوء التقدير ونقص الوعي وغياب الدعم وغفلة المسؤول عن تقديمه.
لستِ وحدكِ مسؤولة. جميعنا نحمل وزرَكِ ونبكي بصمتٍ تراجُعَنا. لربّما ثوب الكبرياء أعاقنا فلم نحرك ساكنًا.
هو نداء استغاثةٍ، عتب أو لوم نطرق به باب الغافلين لإنقاذ مَن بعدك…
قد تنفذ من الحريق أشياء كثيرة. وقد يحملنا العزم ويقظة الضمير على ترميم ما تغيّرت ملامحه من غدر الوقت والعمر الأعمى… قد وقد وقد… لا نستطيع شيئًا.
رسالةٌ أوجّهها لكلّ ساكنٍ خلف عتمة الاستسلام. إقرأ بين السطور علّك تصلح ما فسد!؟
وحدك، وبإصرار منك وحدك، تتعافى جراح النساء وتصلُح مجتمعات قد تزهر لو لعب كلّ دوره على خشبة هذا المرسح المهمل…
عسى أن يكون ثمة “لقاء وارتقاء”…
عسى أن يحمل التاريخ حقائب الظلم الذي كان، ويغمر الدفء قلوبًا أدمتها السنون.
من كتاب “أكتبني حين أحببتني” ص 98-101
د سحر نبيه حيدر
مصدر المستند
كتاب" أَكْتُبُني... حين أحْبَبْتني!!" د سحر نبيه حيدر- الطبعة الاولى- بيروت- لبنان-2022
تعريف المستند
قصة قصيرة تعتمد النمط السردي تتناول موضوع الزواج المبكر في المجتمعات الشرقية بشكل خاص
أسئلة حول المستند
إلى أي درجة يساعد طرح موضوع الزواج المبكر عبر القصة في تسليط الضوء على خطورة هذا الأمر وتأثيراته على تطور المجتمع؟ ما هي ابرز النقاط التي أثارتها الكاتبة؟ الحلول المقترحة والمعقولة التي أثارتها الكاتبة؟