بمثل هذا تشترى القلوب- بيع الغبن
لقد كان لما كتبناه عن بيع الغبن تأثيره المفيد ليس في دوائر الحكومة والمراجع العليا فقط بل على المغبونين انفسهم بما اثار في نفوسهم من قوة التعاون والاتحاد على المطالبة بحقهم المهضوم ولا يضيع حق يطالب به المجموع
ذهب في يوم الاربعاء فريق من الارامل وغيرهن من اللواتي بعن منازلهن في ايام الحرب بيع الغبن والاضطرار الى السراي القديمة وهن يحملن عريضة الى القومندان ترابو حاكم لبنان الكبير يتظلمن فيها مما اصبن به من الحيف العظيم ببيع تلك المنازل من قوم لم يكن يشغلهم في ذلك العهد العصيب عهد المجاعة غير كسب المال وكنز الدينار الى الدينار كيفما اتفق فاطلع حضرة الحاكم على تلك العريضة التي وضعها لهن حضرة الاستاذ الشيخ نخله نفاع فكان يقرأها وعلائم التأثر الشديد بادية بين ثنايا وجهه ولا سيما من مرأى تلك النسوة وقد تألبن بعد ان نجون من الموت بيع منازلهن مستنجدات بالقانون للمداواة من فقر يجر الى الموت
وبعد ان اجال نظره بهن والدمع يكاد يترقرق في عينيه خاطبهن بصوت يتهدج من الاشفاق فقال
لقد كنت واقفًا اتم الوقوف على كل ما اصبتن به خلال الحرب من الاهوال فاعلمن ان الحكومة ستكون لكن خير معين وان جميع البيوع التي حدث فيها الغبن الظاهر في تلك الايام العصيبة لا تعتبر صحيحة في شريعة من شرائع الامم لفقد الرضى الصحيح فيها ولذلك فان المحاكم تنقض هذه البيوع وترجع اليكن المنزل المبيعة بالغبن بشرط اعادة اثمان تلك المنازل مع الفائدة القانونية
فهتفن له وهن باسمات الثغور يدهون له ولدولة العدالة والرحمة والانصاف
ما وقع الندى على الازاهر وقد تراخت اوراقها من الذبول وما البرء للعليل السقيم وقد كاد ان يودي به النحول، وما الشراب السائغ وقد تلظت من العطش لهاة الظامئين، وما نور الرجاء يخترق الضمائر وقد اظلمت باليأس قلوب القانطين … بالطف ( ) وقعًا من تصريح حاكم لبنان الكبير وقد قال للارامل المتألبات في بابه
اذهبن مطمئنات فسنكشف الظلامة ونفرج الغمة فلا يبقى غابن ولا مغبون
ولقد كنا قسمنا المغبونين الى ثلاثة اقسام قسم باع بالغبن ولكنه وفى دينه وتاجر بما بقي فربح واثرى وليس هذا بمغبون
وقسم باع بالغبن ليتنعم ويتلذذ فاطلق العنان لشهوات نفسه وادرك كل ما طلب فليس هذا بمغبون
وقسم باع بالغبن كل ما في البيت ثم باع البيت كي لا يموت من الجوع فهذا هو المغبون
ويسرنا ان الحكومة نظرت الى هذا الفريق البائس بما يستحقه من الرحمة وبما يقتضيه العدل من الانصاف فانها لو علمت كيف كان يشترى اولئك الطامعون تلك المنازل، وكيف ان الارملة التي كانت تعيش من ريع منزلها كل العام باعت الاصل والريع بما يسد الرمق بعض العام، وكيف كان يقول لها سمسارهم وقد بسط يده بحفنة من الورق التركي: هذه هي الحياة ثم يقبض يده ويقول هذا هو الموت. انها لو علمت كيف كانت تباع تلك المنازل لما اقتصرت على رد اثمانها مع الفائدة القانونية بل اعفت اصحابها من دفع الفائدة بل لو كان الحاكم مستبدًا عادلًا لامر بارجاع المنازل دون ارجاع الاثمان
نعرف كثيرين من الذين اشتروا المنزل او البستان بثمن استوفوه بجملته من اجرة او غلة عامين وكيف يمثل الغبن بابلغ من هذا التمثيل
ان الحكومة قد خطت الخطوة الاولى الى قلوب الشعب بمقاومة اصحاب املاك، وطرقت باب قلوب الشعب بالانتصار للمغبونين فاذا عالجت الغلاء بانجع دوائه فتنفس الفقير الصعداء، واذا حددت الربح المشروع فلا يباع الصنف بضعف ثمنه، واذا عينت الخبير النشيط في الوظيفة فلا ينالها غير الاكفاء، واذا مهدت سبيل العمل فتتسع الارزاق وتبطل الهجرة، انها اذا فعلت ذلك فتح لها كل قلب مصراعي بابه فبمثل هذا تحترم الحكومات وتمتلك الشعوب، وبمثل هذا تصفو النيات وتشترى القلوب
لسان الحال، 23/10/1920- مجتمع
مصدر المستند
لسان الحال، 23/10/1920
تعريف المستند
يدور موضوع هذا المقال حول الظلم الذي وقع على المرأة إبان إعلان دولة لبنان الكبير وتأثير المجاعة التي هيمنت على تلك الحقبة التاريخية
أسئلة حول المستند
ماذا حصل للعائلات التي سيطر عليها الجوع في تلك الحقبة؟ تأثير الجرائد والاعلام على تغيير الوضع أو ناهضة الغبن؟ إذا أردنا مقارنة الوضع الاجتماعي والاقتصادي في تلك المرحلة مع الوضع اليو م في لبنان ماذا نستنتج؟