من هو الأردني؟ تأثيرات إستعمارية – مسعد
من هو الأردني؟
يصل مسعد إلى هذا السؤال المركزي بعد أن يطوف بنا في عوالم تشكل وصناعة الهوية الأردنية. وهو ينتقد هنا الدعوات التي تنادي بها أقلية متشددة في الأردن إزاء الفلسطينيين الأردنيين وتطالبهم بالتخلي عن “فلسطينيتهم” لإثبات “أردنيتهم”. فمن ناحية أولى -كما يقول مسعد- فإن هؤلاء الفلسطينيين لا يرون تناقضاً بين مكونات هويتهم الفلسطينية الأردنية, بل يرونهما مكملتين لبعضهما بعضا. ومن ناحية ثانية, وعلى عكس التخويف والمبالغة التي يرددها المتشددون, فإن فلسطينيي الأردن لم يشكلوا أي تهديد للنظام في الأردن، فهم لم يقوموا بأية ثورة شعبية ضده, ولم ينظموا أي انقلاب عسكري عليه, لا أثناء أحداث أيلول الأسود سنة 1970 ولا بعده خلال الانتفاضات الشعبية في شمال أو جنوب الأردن في أكثر من مرة. بل عاشوا بسلام في الأردن وصارت هويتهم ثنائية وممزوجة في السياق الأردني, إذ إن الكثير منهم وخاصة الجيل الجديد لا يعرفون وطناً لهم غير الأردن.
إضافة إلى ذلك فإن سياسة الحكم في الأردن في “بدونة الأردنيين” قد لحقت بالفلسطينيين الأردنيين أيضاً وامتزجت عاداتهم ولهجاتهم وممارساتهم بنظيراتها عند الشرق أردنيين, وزادت نسبة الزواج المختلط, وتم صهر عناصر عديدة من التكوين الهوياتي المتنافر لصالح هوية مشتركة. ويشير مسعد إلى حادثتين قد تبدوان هامشيتين لكنه يستخدمهما للاستدلال على عمق “أردنية” فلسطينيي الأردن، أولهما فوز منتخب الأردن الكروي على نظيره السوري في بطولة العرب لكرة القدم التي أقيمت في لبنان سنة 1997, وكيف خرج فلسطينيو الأردن إلى الشوارع للتعبير عن فرحتهم بفوز الفريق الأردني الذي كان ثمانية من لاعبيه من أصل فلسطيني. والحادثة الثانية هي تشجيع فلسطينيي الأردن للفريق الأردني ضد الفريق الفلسطيني في مباراة كروية في عمان سنة 1999. وهاتان الحادثتان تشيران إلى “ولاء” فلسطيني الأردن بشكل حاسم.
ينتقد مسعد دعوات متشددي الأردنيين مثل ناهض حتر وفهد الفانك وأحمد عويدي العبادي ومروان الساكت التي تطالب بأن يتخلى الفلسطينيون عن جنسيتهم الأردنية وجوازاتهم ويحملوا جوازات سفر فلسطينية ويعملوا بالتالي كعمال أجانب في الأردن. ويتناول خصوصية بعض تلك الأسماء ويلاحظ بروز “متشددين مسيحيين أردنيين” بشكل ملفت معادين للوجود الفلسطيني في الأردن. لكنه يلاحظ أيضاً أن تشدد هؤلاء ضد الفلسطينيين لا يعني بالضرورة أن مواقفهم على صعيد التسوية مع إسرائيل منسجمة مع الطرح الرسمي، بل إنهم أيضاً متشددون في دعم قيام دولة فلسطينية, وبعضهم ضد التسوية الأردنية الإسرائيلية.
ويرى مسعد أن ليس هناك تناقض بين مواقفهم تلك, بل هي مكملة لبعضها بعضا, حيث إن قيام كيان فلسطيني يذهب إليه فلسطينيو الأردن معناه تحقيق الهدف الذي يسعون إليه وهو طرد الفلسطينيين ولا يغيب عن المؤلف أيضاً الإشارة إلى العامل الإسرائيلي في زيادة تطرف “التيار الأردني الإقصائي”, ويتمثل هذا العامل في تكرار التركيز الإسرائيلي -الليكودي بخاصة- على مقولة أن الأردن هي الوطن البديل للفلسطينيين, وأنه بعد عدد من السنين فإن هذا هو الحل الواقعي للمسألة الفلسطينية.
ربما يختلف القارئ مع إحدى خلاصات المؤلف التشاؤمية والتي يقول فيها إنه ما لم يصل الأردن والأردنيون إلى صنع صيغة استيعابية للهوية الأردنية تشمل الجميع وغير إقصائية وغير طاردة للفلسطينيين الأردنيين, فإن مستقبل الأردن يظل بعيداً عن الاستقرار, وقد ينجر إلى حرب أهلية ثانية (بعد الحرب الأهلية الأولى في سبتمبر/ أيلول 1970). لكن يظل في المجمل العام أن الإفادة التي يقدمها هذا الكتاب العميق تفوق ما تقدمه كتب كثيرة, وسوف يحتل بالتأكيد مكانة مركزية في الأدبيات الخاصة في تاريخ الأردن الحديث
مصدر المستند
مسعد، ج. (2008). تأثيرات إستعمارية: صناعة الهوية القومية في الأردن (كتاب). marefa.org.
تعريف المستند
مقطع من مقال عن كتاب جوزيف مسعد – تأثيرات إستعمارية: صناعة الهوية القومية في الأردن
يتناول الجزء مشكلة الهوية الأردنية و مزج فلسطينيو الأردن بذات الهوية و إعطاء صبغة واحدة للشعب، بالإضافة إلى بدونة الهوية الأردنيين.
أسئلة حول المستند
ما هي المؤثرات الخارجية على الهوية الأردنية؟ ما هي بدونة الهوية الأردنية؟ كيف تعامل الأردن مع أيلول الأسود؟