معركة إنهاء عهد بشارة الخوري (1951-1952)
انتخابات 1951 وحركة المعارضة
بدأت معركة إنهاء عهد بشارة الخوري قبل موعد انتهاء ولايته الثّانية، وبالتّحديد مع بداية الإعداد للانتخابات النّيابيّة الّتي أوشكت أن تنتهي مدّتها القانونيّة. فمع اقتراب موعد الانتخابات النّيابيّة الجديدة الّتي جرت في ربيع عام 1951، بدت في أفق السّاحة السّياسيّة اللّبنانيّة الصّورة الكالحة الّتي رافقت الانتخابات النّيابيّة السّابقة، انتخابات أيّار 1947، وشكاوى الرّأي العام الّتي رافقت المجلس النّيابيّ خلال سنيه الأربعة الماضية. ورأى الحكم أنّ إجراء انتخاباتٍ جديدةٍ بإشراف حكومةٍ حياديّةٍ لا مطمع لأعضائها في خوض غمار المعركة الانتخابيّة، ولا تيّارات حزبيّة لهم أو خصومات سياسيّة مع أحد المرشّحين، يمكن أن تحدّ من اشتداد حركة المعارضة. فاستقالت حكومة رياض الصّلح، واستنادًا إلى التّوافق بين هذا الأخير ورئيس الجمهوريّة، تألّفت حكومة روعيت من خلالها الاعتبارات الطّائفيّة، فكان حسين العويني رئيسًا لها، وعضويّة كلّ من بولس فيّاض وإدوار نون، ودعت النّاخبين إلى انتخاب ممثّلين لهم في دورتين : الأولى حدّدت في 15 نيسان والثّانية في الثّاني والعشرين منه.
الملاحظ أنّ تغيير الحكومة في تلك المرحلة لم يغيّر في أسلوب جبهة المعارضة، الّتي رأت أنّ عمليّة تغيير العناصر في الحكومة ليست سوى مناورة جديدة، لجأ إليها الحكم ليوهم الرّأي العام أنّ الدّولة ستعمل بكلّ ما في وسعها لإجراء انتخاباتٍ حرّة ونزيهة.
ثمّ إنّه برز على السّاحة السّياسيّة في هذه الفترة اتّجاه يهدف إلى المطالبة بتعديل قانون الانتخاب، وتنقيته من الشّوائب الّتي تعتوره وتشكّل عوائق وصعوبات في تكوين اللّوائح الانتخابيّة، فالمرشّح غسّان تويني (أرثوذوكسي) طالب في برنامجه الانتخابي بتعديل ذلك القانون لجهة تصحيح التّمثيل الشّعبي وتحرير الدّولة من الطّائفيّة، وتوزيع الثّروة على أساس الإنتاج، وتأميم المرافق العامّة، وضمان الحقوق الغجتماعيّة والاقتصاديّة. فيما الجبهة العمّاليّة في بيروت طالبت بتعديل ذلك القانون أيضًا بشكلٍ يضمن تمثيل مختلف طبقات الشّعب، ودعت إلى تنظيم الاقتصاد اللّبنانيّ، وذلك بتشجيع الانتاج الوطنيّ الزّراعيّ والاقتصاديّ وإلغاء الاحتكارات، وتأميم الشّركات ذات النّفع العام وتوزيع الأراضي الأميريّة على الفلّاحين.
وفي إطار الاحتجاج على مساوئ قانون الانتخاب أيضًا، أخذت الأوساط الإسلاميّة والمسيحيّة على السّواء تطالب بتنقيته من عيوبه ومساوئه، لا سيّما لجهة فرض غرباء على طوائف لا يمتّون إليها بصلة، من هنا برز اتّجاه مشترك في الأوساط الإسلاميّة والمسيحيّة، أسفر عن عقد اجتماعٍ في منزل جورج ريس بتاريخ 3 آذار 1951، أثيرت فيه هذه القضيّة، وطالب الحاضرون بوجوب إيجاد وسيلةٍ تساعد على إفهام قادة اللّوائح الانتخابيّة من هم من المرشّحين الّذين تؤيّدهم طائفتهم. وهذا الأمر إن دلّ على شيء ، فإنّما يدلّ على تجذّر النّهج الطّائفي في أوساط الشّعب اللّبنانيّ، لأنّ النّائب بنظر هذا الشّعب لا يعتبر ممثّلًا لجميع اللّبنانيّين، بل هو ممثّل لطائفته وللمنطقة الّتي تتواجد فيها تلك الطّائفة.
فيما كانت أجهزة الدّولة تعمل على الحدّ من نشاط حركة المعارضة، ففي منطقة جبيل تمّ توقيف عناصر كلّها تابعة لتلك الحركة، الأمر الّذي دفع جريدة ” صوت الأحرار ” إلى التّساؤل عن الحياد الّذي تدّعيه الحكومة إزاء الانتخابات المقبلة، وممّا أوردته في هذا الصّدد :” تشاء الصّدف بأن يكون جميع الموقوفين من المعارضة، فهل هذا الحياد في الانتخابات ؟ وهل هذه بوادر الحياد ؟”. كما وقعت في هذه الأثناء حوادث دامية في منطقة الباروك، فوجّهت الاتّهامات نحو الموظّفين الرّسميّين، وتقدّم نائب الشّوف كميل شمعون بسؤالٍ للحكومة بواسطة رئاسة المجلس النّيابيّ، عالج من خلاله حوادث الباروك ووضع المسؤوليّة على الموظّفين الرّسميّين، وطالب بمحاكمة الحزبيّين منهم، الّذين تسبّبوا في إراقة الدّماء في تلك المنطقة.
الملاحظ أنّه إذا كانت الحكومة في تصريحاتها جادّة في التزام الحياد إزاء الانتخابات، فإنّنا نرى على صعيد الممارسة والآليّة الّتي رافقت المعركة الانتخابيّة عكس ذلك، فالموظّفون المناط بهم أمر المحافظة على الأمن لم يلتزموا الحياد، إذ أنّ المحسوبيّة كانت لا تزال تتفشّى على مستوى دوائر الدّولة وأجهزتها.
إشتدّت المعركة وجرت الانتخابات على مرحلتين، أسفرت عن فوز 32 نائبًا من النّواب القدامى و 45 نائبًا من الوجوه الجديدة. من بين هؤلاء فاز بعض المرشّحين الحزبيّين، منهم : نائبان عن ” حزب الدّشناق الأرمني “، وثلاثة نوّاب عن ” الحزب التّقدّمي الاشتراكي “، وثلاثة نوّاب عن ” حزب الكتائب اللّبنانيّة “، ونائبان عن ” الكتلة الوطنيّة “. فيكون قد فاز في تلك الانتخابات عشرة نوّابٍ حزبيّين من أصل 77 نائبًا، أي نسبة 13% من مجموع أعضاء المجلس النّيابيّ.
ففي الدّورة الّتي جرت في 15 نيسان 1951، أسفرت النّتائج عن فوز بعض مرشّحي جبهة المعارضة، وفي الوقت الّذي أخذت أصابع الاتّهام تشير إلى تدخّل حكوميّ، أكّد رئيس الجمهوريّة أنّ الدّولة كانت ملتزمة الحياد في المعركة الانتخابيّة. الأمر الّذي يجد ترجمة له في نجاح بعض المعارضين في تلك الانتخابات، والواقع أنّ بعض المرشّحين المعارضين الّذين تمكّنوا من الفوز في الانتخابات كانوا من أبناء الأسر العريقة، الّذين يتمتّعون بشعبيّة واسعة توارثوها عن آبائهم، ومن هؤلاء كمال جنبلاط وكيا شمعون وغسّان تويني وأميل البستاني، الّذين فازوا في منطقة الشّوف، وعبد الله الحاج ودكران توسباط في قضاء بعبدا المتن، وحميد فرنجيّة في قضاء زغرتا، وغيرهم ….
وهذا الأمر يعبّر عن أنّ النّظام الإقطاعي الّذي ناء منذ وقتٍ طويلٍ بكلكله على لبنان، والّذي ألغي بموجب نصّ ” بروتوكول 1861 “، وبقي في الواقع، مستمرًّا في إطار مفاهيم جديدة، أوجبتها طبيعة التّطوّر الّي طرأ على الرّابطة والتّبعيّة اللّتين تحكمان العلاقة بين الحاكم والمحكوم، بفعل تبدّل الأوضاع الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسّياسيّة، الّتي فرضتها الظّروف وحركة التّطوّر التّاريخيّ، والّتي حوّلت تلك العلاقة من تبعيّة اقتصاديّة إلى نوعٍ من التّشابك في التّبعيّة السّياسيّة والطّائفيّة.
الواقع، أنّ الحكم لم يدرك بشكلٍ كافٍ عمق التّحوّلات الّتي أصابت لبنان منذ بلوغ الاستقلال، ولم يوظّفها في بناء دولةٍ حديثةٍ، فالأداء الطّائفيّ كان أحد أهمّ الأسباب الرّئيسيّة الّتي ساعدت في التّشرذم المجتمعي، وقانون الانتخاب الجديد لم يدفع باتّجاه تحصين شروط الحياة السّياسيّة والاجتماعيّة، بل جاء يؤكّد الأساس الطّائفيّ لصيغة النّظام القائم، وأخرج تشكيلات سياسيّة عجزت عن خلق آليّة توفّق بين الانتماء الطّائفيّ والتّكامل الوطنيّ، لضمانها شراكةً طائفيّةً في إدارة شؤون البلاد.
مصدر المستند
المدلول الطّائفيّ لنظام الحكم في لبنان ( 1943 - 1952 ) الجزء الأوّل الدّكتور محمّد خير حسين الحجّار طبعة أولى 2002 ص 201 - 202 - 203 - 204
تعريف المستند
يتحدّث المستند عن انتخابات 1951 وحركة المعارضة، وعن استقالة حكومة رياض الصّلح، لتقوم حكومة محايدة تجري انتخابات حرّة ونزيهة، وعن حركة المعارضة الّتي عارضت المجلس السّابق والّتي رأت أنّ الاستقالة مجرّد خدعة لايقاف المعارضة. وعن نتيجة الانتخايات الّتي أسفرت عن تنصيب نوّابٍ حزبيّين وحتّى من عيّن نائبًا وهو من جهة المعارضة فكان من الأسر العريقة ممّا يدلّ على بقاء النّظام الاقطاعيّ في لبنان، كما تحدّث عن الطّائفيّة حيث أنّ النّائب بنظر الشّعب لا يعتبر ممثّلًا لجميع اللّبنانيّين بل ممثّلًا لطائفته ومنطقته
أسئلة حول المستند
لماذا استقالت حكومة رياض الصّلح ؟ وما كان أثر هذه الاستقالة على المعارضة؟ ما كانت المطالب الّتي أدرجها المرشّح غسّان تويني في برنامجه الانتخابي؟ ما الدّليل على تجذّر النّهج الطّائفيّ في أوساط الشّعب اللّبنانيّ ؟ كيف عالج كميل شمعون حوادث الباروك ؟ هل أسفرت الانتخابات عن فوز نواب مستقلّين؟ وهل تخلّص لبنان من الاقطاعيّة أم أنّها ما زالت تتأصّل فيه ؟