دور قناصل الدول لدى المتصرّفين
… كان قناصل الدول يلعبون دورًا مهمًّا لدى المتصرّفين، ولا سيما قناصل فرنسا وإنكلترا وروسيا، لارتباط الطوائف الكبرى بهم. فالموارنة يرجعون إلى الفرنسيّين، ويرجع الدروز، والجنبلاطيّين منهم بنوع خاص، إلى الإنكليز، وأمّا الروم الأورثوذكس فإلى الروسيّين. وتراجمة القّنصليّات يلعبون دورهم لاتّصال أكثريّة الموظّفين بالقناصل بواسطتهم، ما عدا النذر اليسير الذي يتّصل بالقنصل رأسًا.
ومن عادة الموظّفين اللبنانيّين أنّهم يقصدون بيروت يوم الجمعة صباحًا، ويتوزّعون على دور القنصليّات لعرض خدماتهم على القناصل فيدعم هؤلاء مراكزهم لدى المتصرّف.
ومن التراجمة الذين كان لهم نفوذ بارز في عهد نعوم باشا وخلفائه: إسبر أفندي شقير ترجمان الإنكليز، وفيليب أفندي زلزل ترجمان فرنسا، وسليم أفندي شحادة ترجمان روسيا. وكان القناصل لا يزورون الحاكم في مكتبه إلّا قليلًا، ولكنّهم يزورونه في داره. وأمّا التراجمة فيتردّدون إلى مكاتب الموظّفين لملاحقة الشؤون التي تهمّ قنصليّاتهم، فيكرمهم هؤلاء و”يراعون خواطرهم” ويدعوهم أحيانًا لتناول الطعام على مائدتهم.
وللقنصليّات تراجمة فخريّون يتمتّعون بحمايتها ويُصيبون الحظوة لديها ووجاهةً لدى مواطنيهم.
وكان النتصرّف يدعو بعض القناصل من حين إلى ىخر لتمضية أيّام قصيرة في ضيافته بقصر بيت الدين، ولا تسل عن الإكرام الذي يُحيطهم به أثناء إقامتهم لديه. ويشترك الموظّفون الكِبار في هذا التكريم، فيعدّون أنفسهم سعداء فيما إذا قبل القنصل دعوتهم إلى الطعام (بإذن المتصرّف طبعًا)، وكم من مركزٍ ثابت زعزعته زيارة قنصل، أو من مركز مزعزع ثبّتته زيارة قنصل. إلّا أن تلك اللياقة البالغة تجاه القناصل لم تمنع من حدوث مشاكل واختلافات بين الحاكم والبعض منهم بسبب تجاوز هؤلاء حدود وظائفهم، أو بسبب تدخّلهم بصورة غير مشروعة في بعض الشؤون الداخليّة.
ولم يكن من قناصل معنمدين لدى حكومة الجبل، فمركزهم الرسميّ فيبيروت لدى الوالي، أمّا معظم عملم ففي لبنان لأنّ علائقهم بوالي بيروت تقتصر على الرسميّات والتجاريّات، أمّا “بتعهم” السياسي فميدانه الجبل.
مصدر المستند
بشارة خليل الخوري، حقائق لبنانيّة، الجزء الأوّل، منشورات "أوراق لبنانيّة"،1960، ص.ص 35-36
تعريف المستند
يعالج علاقة بعض الموظّفين في متصرّفيّة جبل لبنان بقناصل الدول الكبرى وتراجمها.
أسئلة حول المستند
- حدّد النطاق المكاني والجيوسياسي للمستند. - إلى أيّ مدى أثّر قناصل الدول الكبرى في توجيه الساسة في المتصرّفيّة؟