حصار صور

أخضع الإسكندر آسيا الصغرى بسرعة لا مثيل لها، ووقف أمام أسوار صور يخسر الوقت ولا يحقق أيَّ نتائج. بدأ يفكّر بفكّ الحصار ومتابعة الزحف إلى مصر لكنّه كان يخشى على اسمه وشهرته إذ قد يعيّره أعداؤه بالهزيمة. في ظل هذا التخبّط استطاع الإسكندر إنشاء أسطول بحريّ كبير وإدخاله في المعركة، فيما أنهى جنوده بناء الممرّ وأصبح بإمكانه أن يصل إلى أسوار صور عبر البرّ. إلى جانب ذلك لم يصل التعزيز الذي كان ينتظره الصوريّون من قرطاج. غيّرت هذه الأحداث مجريات المعركة وقلبت ميزان القوى لصالح الإسكندر.

كان الإسكندر يدرك أنّه يسير بخطى ثابتة نحو الهزيمة ما لم يُدخِل في أعماله القتالية آلة الحرب البحريّة بهدف فرض حصار بحري على صور. توجّه الإسكندر إلى صيدا لإنشاء أسطوله البحري، في هذه الأثناء قرّر ملكا أرواد وجبيل اللذان علما بسيطرة الإسكندر على مدينتيهما، تَرْك الأسطول الفارسي والعودة إلى موانئهما ومن ثم الالتحاق بأسطول الإسكندر. إضافة إلى ذلك انضمّت مجموعة كبيرة من السفن التابعة لقبرص ولبعض الجزر اليونانية للأسطول المقدوني. عاد الإسكندر من صيدا بأسطول بحري يقدر بـ223 سفينة، ففرض حصارًا بحريًا على صور. نفّذ الصوريّون هجومًا بحريًّا لفكّ الحصار، اختاروا فترة بعد الظهر لتنفيذ هذا الهجوم كونها فترة الاستراحة لدى المقدونيّين. أسعف الحظّ الإسكندر الّذي لم يكن قد أخذ قيلولته بعد، فقاد هجومًا بحريًّا معاكسًا محقّقًا النجاح ففشل الهجوم الصوري.

إنّ الخطر الذي شكّله دخول الأسطول المقدوني المستحدث في المعركة لا يكمن في فرض الحصار البحري على صور فقط. فقد تمّ استعمال السفن كحاملات لماكينات الحصار التي كانت تتألف من الأبراج والمدقّات. المدقّة عبارة عن عامود خشبي ذات رأس معدني معلّق بواسطة حبال على مركبة تسير على عجلات، بحيث يمكن أرجحة العامود ودفعه بقوة لضرب أسوار المدن. في حصار صور، كانت تتمّ الاستعانة أحيانًا بسفينتين لحمل البرج الواحد أو المدقّة الواحدة. إنجاز آخر حقّقه المقدونيون في المعركة شكّل ضربة قوية للصوريين، فقد انتهى بناء الممرّ وأضحى من الممكن الوصول إلى صور عبر البرّ. نتيجة لذلك نُصِبت أبراج الحصار والمدقّات أيضًا مقابل الأسوار وثُبِّتت على الأرض اليابسة فوق الممرّ. دافع الصوريّون ببسالة عن المدينة فملأوا أكياسًا من الجلد ووضعوا داخلها أعشابًا بحريّة وألصقوها بالأسوار لتخفيف صدمات المدقّات، ثم ملأوا قدورًا بالرمل المتوهّج والزيت المغليّ وأفرغوها من أعلى الأسوار، فكانت حبّات الرمل تُغرز في دروع وأجساد المقدونيّين. إضافة إلى ذلك قام الغطّاسون بقطع حبال تثبيت المراكب التي كانت تحمل الأبراج والمدقّات بمحاذاة الأسوار ما أجبر الإسكندر على استبدالها بجنازير حديدية.

ضربة أخرى تلقاها الصوريون تتعلّق بالدعم الذي كانوا ينتظرونه من قرطاج. لقد وصل إلى صور وفد قرطاجيّ معلنًا أنّ قرطاج لن تتمكّن من إرسال التعزيزات إلى صور كونها منشغلة هي الأخرى بالحرب. إزاء هذه التطوّرات، رأى كبير الكهنة في حلمه الإله ملكرت وهو يغادر المدينة، فكان ذلك نذير شؤم كبير. أدرك الصوريّون خطورة الموقف، وبدأوا بإجلاء مَن استطاعوا إجلاءه من نساء وشيوخ وأطفال إلى قرطاج، ورُفعت الصلوات في هيكل ملكرت علّه يتدخّل لنجدة المدينة.

مصدر المستند

مجلّة الدفاع الوطني اللبناني - العدد 105 - تمّوز 2018

تعريف المستند

نصّ تاريخي يتناول المعركة التي دارت بين الجيش المقدوني من جهة ومدينة صور من الجهة الثانية في محاولة لاحتلالها انطلاقًا من الوضع العام داخل المدينة والخطط التي نتج عنها احتلال المدينة على الرغم من المحاولات العديدة للصمود ولسنين طويلة

أسئلة حول المستند

- أذكر إثنين من الأحداث التي قلبت موازين القوى لصالح الإسكندر - عدّد الجهات التي إنضمّت الى الأسطول المقدوني - إشرح الدور الذي تقوم به المدقّة أثناء المعارك - تكلّم عن أربع خطوات قام بها الصوريّون للدفاع عن صور

تم التحميل من قبل: Ibrahim Roland (Lebanon)