التعايش في بيروت
“ذلك أن الانسجام الطائفي في زقاق البلاط، إلى أواسط قرننا العشرين كان، في جملته، على المستوى الخاص وكأنما هو صورة لواقع الانسجام الطائفي في معظم مناطق لبنان. والأرجح أن هذا الانسجام، على النحو الذي ذكرت، دواعي متعددة أولها، في رأيي، أنه انسجام بين النخبة من كل طائفة، النخبة بمعناها الإنساني الفاعل وبمداها الشامل الجامع. أما على المستوى العام، فإن الانسجام الطائفي كان، في جملته، غير ملموس. […] أما لم كان الانسجام الطائفي، في جملته، غير ملموس على المستوى العام، فإن لذلك أسبابًا متعددة أولها، في رأيي، الشعور الأقلّي، والمنطق الأقلّي، والسلوك الأقلّي على هذا المستوى؛ حتى أن الأكثري كان يحيا ويعيش، في المستوى العام، وكأنه أقلّي. فهو متعصّب تعصّب الأقلّي، وهو قوي قوّة الأكثري.
كان مجتمع زقاق البلاط يقيم على الواقع الذي ذكرت من جهة المستوى الخاص والمستوى العام. كان ثمة آل مخزومي وآل عقاد – مثلًا – في جوار آل حداد وآل أسير. وآل فريج وآل دسوم في جوار آل عويني وآل أبي النصر. وآل خوري وآل نابلسي في جوار آل نحاس وآل فرعون. وآل واكد وآل بوّاب في جوار آل حميّه وآل جبر. وآل مخيش وآل بستاني في جوار آل عتر وآل صبرا. وآل يموت وآل زيدان في جوار آل مكوك وآل سركيس. […]
هكذا كانت الأسر، وهي عهدئذ النخبة بمعناها الأوفى، تحيا وتتعامل، ودًا وطيب جوار، في ما دعاه ميشال شيحا “العائلات الروحية” فحوى بيروت خاصة ولبنان عامة. فوَعَت تلك الأسر، بحكمتها الشعبية البسيطة، الصادقة حدسًا وحسًّا أننا إذا تعايشنا فتفاهمنا كنّا في خير وأمان، وإلا استبد بنا من دواهي الاستئثار ما يُفقرنا ويذلّنا أفرادًا وجماعات”.
مصدر المستند
خليل رامز سركيس، الهواجس الأقلية من زقاق البلاط إلى كنسنغتن، بيروت، دار الجديد، 1993، ص. 24-26.
تعريف المستند
هي شهادة شخصية من الأديب اللبنانية خليل رامز سركيس يصف فيها التعايش بين الطوائف الدينية في بيروت ولبنان، والانسجام ما بين هذه المكونات
أسئلة حول المستند
ما هي الإشكالية الواردة في هذا النص؟ هل فعلًا كان هناك تعايشَا ما بين الطوائف الدينية في بيروت؟ كيف نصف العلاقات ما بين الجماعات الأقلية والجماعات الأكثرية في بيروت؟