الأخطاء التي ارتكبها الفرنسيون .
فشل الفرنسيون في سياسساتهم بسبب ارتكابهم عددا” من الأخطاء الكبيرة. اولا”, لم تأخذ باريس التزاماتها. بموجب الانتداب على محمل الجد. بتيت الانتدابات بعد الحرب العالمية الاولى على مبادئ ويلسون, وكان يفترض أن تقوم على ان تسترشد الولايات العثمانية السابقة بالمساعدة والنصح الذي تسديه لها البلدان الأكثر تقدما”. غير ان الفرنسين استبدلوا السيطرة بالرعاية, وفرضوا أنظمة استعمارية مشابهة لتلك التي فرضوها بقسوة في شمال أفريقيا. و كان الفرنسيون, طوال سنوات الانتداب, متردّدين في تليين حكمهم المباشر في المشرق, مخافة ان يؤدي ذلك الى تقويض قبضتهم الحديدة على مستعمراتهم في شمال أفريقيا.
في بيروت ,ادار المفّوض السامي الفرنسي, يساعده أمين عام, ما كان في الواقع إدارة مؤهّلة. فتولّى مندوبو المفوّضية الإدارات المحلية, ووضع ” المستشارون ” الفرنسيون في المكاتب الوزارية, بينما تولّى الضباط السياسيون ” للشؤون المحلية ” الحكم في المناطق النائية. و أحكم الجيش الفرنسي السيطرة على البللاد, تساعده القوات الخاصة المجنّدة من السكان المحليين ذات التوجّه الاستعماري. واحتفظ الفرنسيون طوال فترة الانتداب للسيطرة التامة على الخدمات الإقتصادية المشتركة بين الدولتين – أي ما يسمى المصالح المشتركة, وخاصة إدارة الجمارك – على لرغم من أن المسؤولين الذين تولوا إدارتها كانوا في الغالب فاسدين أو غير اكفاء أو الإثنين معّا.
عمدت السياسة الفرنسية , منذ إعلان دولة لبنان الكبير, إلى الأقليات ضدّ الأكثرية, بناء على افتراض أن الأقليات ستكون أكثر ولاء لفرنسا, وتوفّر الدعامة المحلية للحكم الفرنسي. و في سوريا – بتأثير أشخاص مثل روبير دو كيه, الأمين العام في المفوضية العليا خلال سنوات الانتداب الاولى – مُنح الدروز في الجنوب و العلويون في الشمال, أفضلية خاصة على الأكثرية السنية المسلمة. و شُجعوا على تطوير المشاعر الافصالية الموجودة لديهم, و زُيّن لهم النظر الى مسلمي دمشق ولمدن الأخرى بمثابة أعداء لهم,
في لبنان, حابي الفرنسيون الموارنة, وأثاروا لهيب العداوة بين المسحيين والمسلمين لإيجاد مبرر لوجودهم. لم يخترع الفرنسيون التنوع العرقي والديني في هذين البلدين بطبيعة الحال, لكنّهم فاقموه واستغلوه لتحقيق أهدافهم. فأثاروا مخاوف المسحيين اللبنانيين من أن تجتاحوهم ” جحافل المسلمين” الآتية من الأراضي الداخلية السورية, وهو مصير لا ينقذهم منه سوى الحماية الفرنسية. وغذّوا الرُّهاب المسيحي لقطع الطريق على التعاون الإسلامي المسيحي. وأصبحت الطائفية التي أنتجتها السياسة الفرنسية جزءًا لا يتجزأ من النظام السياسي اللبناني, والسوري أيضًا, ولو بدرجة أقل.
من نتائج هذه السياسات المؤسفة عدم تمكن لبنان وسوريا من تطوير هوية وطنية متماسكة يعتنقها جميع المواطنين طواعية. لقد كانت الدولة اللبنانية التي استلمها بشارة الخوري ورياض الصلح أبعد ما تكون عن مجتمع سياسي موّحد. لذا فإن التحدي الأكبر الذي واجهاه هو كيف يمكن دمج مختلف الطوائف في أمة واحدة, وكيف يمكن ابتكار نظام يسمح للفئات السكانية الرئيسية بالعيش معًا, في ود إيجابي لا سلبي فحسب. وعد رياض الصلح بإنهاء النظام الطائفي الذي وصفه بالسمّ عندما تولى رئاسة الوزراء لأول مرّة في سنة 1943. لكنه يستطع القيام بذلك, ربما لأن الطائفية أصبحت عميقة الجذور ولا يزال لبنان يعاني حتى اليوم من التناقض بين المجتمع القائم على العصبيات القديمة والدولة الوطنية المبنية على هوية وطنية مشتركة.
مصدر المستند
باتريك سيل - رياض الصلح و النضال من أجل الإستقلال العربي - ترجمة عمر سعيد الأيوبي - الدار العربية للعلوم ناشرون -ط :الأولى -2010م-
تعريف المستند
يعالج المستند موضوع فترة الإنتداب الفرنسي على لبنان و سوريا و نضال اللبنانيين في سبيل تحقيق الإستقلال.
أسئلة حول المستند
1)عرّف المستند: -طبيعته. -مصدره. - المسألة التي يتناولها . 2)استخرج من المستند : أ) أخطاء الفرنسيين في لبنان خلال فترة الإنتداب. ب) انعكاسات هذه الأخطاء على الواقع السياسي اللبناني اليوم. 3) الى اي مدى نجح الفرنسيون في تطبيق انتدابهم على لبنان و المنطقة؟