االعنوان : مدينة تدمر

كانت مدينة تدمر مزيجا غريبا من العناصر اليونانية والسورية والفرثية ( الايرانية ) واهمية تلك المدينة لا تقوم على ما فيها من مزايا العظمة فحسب ، بل هي مدينة الانباط التي تقدمتها تمثل ذرى الثقافة . ومن ينعم النظر في اطلال تدمر الباقية يفقه سر تلك المدينة الزاهرة التي كانت لاهل هذه العاصمة ويبين ان بناء المدينة جاء وفقا لتصاميم وضعها لها جماعة حذاق مهرة في هندسة البناء . وقد حمل اليها حجارة ضخمة من الغرانيت من شلال النيل الاول بمصر من مسافة تزيد على الف ميل . وكان يحف  بشارع المدينة الرئيسي نحو 750 عمودا كورنثيا من الحجر الكلسي الابيض الوردي ارتفاع كل منها نحو خمسة وخمسين قدما ، ولا تزال بعض تلك الاعمدة قائمة فيها . وكان اول الشارع العظيم بقرب قوس النصر الفخم الذي رفعوه الى جانب هيكل معبودهم الاكبر شمش ، ومن ثمة مسافة ثلاثة ارباع الميل شمالا . ولا يزال هيكل الشمس هذا اروع اثر لمجد تدمر القديم وكان منذ بضع سنوات مقر البلدة الحالية باسرها . وهناك ابراج عالية كانت قبورا وتظهر فيها آثار البذخ والعظمة وتعد فريدة بين آثار العصور القديمة . ونرى في تدمر اليوم آثارا لأقنية عظيمة تحت الارض وبقايا أحواض لاختزان الماء في ظاهر المدينة مما يدل على ان تلك الارض ، التي تبدو اليوم جرداء مجدبة ، كانت بفضل هذه المنشآت خصبة صالحة للزراعة .

لم يدم مجد تدمر طويلا فتحولت التجارة عنها الى خطوط جديدة فظهرت مدينة بصرى ( بسترا ) حوران وسواها من عواصم غسان فخلفتها وورثت مكانتها كما ورثت تدمر من قبل مكانة البتراء .